الفرائض – الأسرار – في الفكر المُصلح… جوزيف أنطون

on

هل كل ماهو ملموس شيء يبغضه الله؟ هل بالفعل الله يهتم فقط في الأمور الروحية وغير ذلك لا يعيره اهتمام؟ هل أنكر الاصلاح دور الفرائض الملموسة في الحياة المسيحية؟ ماهو مفهوم الأسرار وكم عددهم بحسب الإيمان المُصلح؟

مفهوم الفريضة بحسب الفكر المصلح هي شيء مادي أسسه الرب يسوع في حياته, ومارسه مثالًا, وأوصى بممارسته. شيء يستخدم فيه عناصر مادية للإشارة إلى شيء أعظمم وأكبر, نظرة الله للعالم المادي هي نظرة إيجابية, فالعالم المادي وسيلة من خلالها يتصل بنا الله ويتواصل معنا, وفي هذه الفرائض الروحي والجسدي, يرتبطان معًا كعناصر أساسية للعبادة.

        يمكن تسمية (المعمودية ومائدة الرب) بالفريضة أو السر (Sacrament), ليس هناك اتفاق كامل في الطوائف البروتستانتية على أي مصطلح فيهم هو الأفضل. الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية تستعمل كلمة “سر” فهما بحد ذاتهما يعطيان الإنسان نعمة, دون النظر إلى تجاوب أو إيمان الشخص. السر بحسب الأنبا غريغوريوس أسقف البحث اللاهوتي هو شيء له فاعلية باطنية وغير منظورة, ولا يقع تحت الحواس الظاهرة.

        يضيف سبرول في شرحه للأسرار عند الكاثوليك أن الكنيسة الكاثوليكية تؤمن في أثناء كل من الأسرار السبعة تنسكب النعمة بشكل سري ومقدس في نفس من يتلقاها. ثم يقتبس من توما الإكويني بأن الفرائض السبعة تعدّ كل إنسان أو من ينالها للمراحل المميزة والمختلفة على مدى الحياة.

        بعض الإنجيليون (المعمدانيون) رفضوا تمامًا كلمة سر, نظرًا للمفهوم الكاثوليكي للكلمة, إلا أن الكنائس المُصلحة تستخدم احيانًا كلمة “سر” دون المصادقة على المفهوم الكاثوليكي السابق, بل باقتفاء أثر ما قاله أغسطينوس حول تعريفه للسر.

        يذكر جورج صبرا أن السر بحسب أغسطينوس يمتاز بعنصرين: 1. أنه علامة مرئية لحقيقة غير مرئية (النعمة). 2. أنه يتكون من علامة مرئية والكلمة. وأضاف أن العناصر هي العلامات المرئية (الماء في المعمودية, والخبز والخمر في مائدة الرب) التي تشير للنعمة. وأن المقصود “بالكلمة” كما فهمه اللاهوت المصلح هي أن العلامات لا تكون سرًا إلا إذا أضيفت لها كلمة الوعد, كلمة بشارة الإنجيل, وأن السر يخدم تلك الكلمة, فهو يشرحها ويؤكدها ويكرز بها ويثبتها لإيماننا.

        دائمًا وأبدًا (العهد القديم والجديد) كان التركيز على القلب, على المدلول الروحي للشيء, إلا أن الشيء الروحي كان يُرمز إليه في الأغلب بشيء خارجي, الذبائح على سبيل المثال, استخدام البخور في العبادة في العهد القديم, والمعمودية (أع2: 38), ومائدة الرب (مت26: 28) في العهد الجديد نراهم بوضوح كالعلامة الخارجية التي ترمز وتشهد بجلاء لرسالة ملكوت الله (مر1: 15).

        الهدف الأساسي من العلامات الخارجية كان في العهد القديم تطلع مستقبلي للأمام نحو ذبيحة المسيح (عب9: 9-10), وفي العهد الجديد بمثابة نظرة للخلف لما قام به المسيح بالفعل (رو6: 4-6؛ 1كو11: 25-26),  وعن ذلك يقول كالفن أن الفرائض اليهودية كانت شهدت للمسيح كوعد متوقع أن يتحقق, بينما الفرائض المسيحية فتشهد للمسيح الذي أتى وأُعلن. وفي الحالتين العلامات الخارجية رغم اهميتها, ورغم إقرار الله لها, إلا أنها ليست هي الحل الأساسي لمشكلة الخطية (عب10: 4؛ 9: 13-14).

        يقول سبرول أن النظام الذبائحي في العهد القديم يدل على أن الله لا يقدم ديانة سرية “باطنية” لا يفهمها إلا نخبة قليلة من الروحيين والمفكرين الفلاسفة, فالله يريد من البداية إيصال رسالة فداءه إلى أبسط إنسان في العالم, لذلك فطريقة التعبير عن الفداء في العهد القديم “بدائية بسيطة” والسبب في ذلك أن كلنا “بسطاء بدائيون نحتاج أن نفهم رسالة الفداء بشكل بسيط.

        ويضيف أيضًا سبرول حول نفس الموضوع أن عملية تقديم الذبيحة قديمًأ كانت تتضمن” 1. القتل, 2. الاحراق, 3. سفك الدم. وعند التفكير في فكرة الاحراق كجزء من تقديم الذبيحة إلى الله, كانت الفكرة السائدة في إسرائيل أن الله يشتم رائحة الرضى والسرور من الذبيحة المحترقة المتصاعدة للسماء, ولكن كان هناك شرط أن يقدم هذا الطقس بقلب تائب وإيمان صائب, هذا ما نجح فيه إسرائيل أحيانًا, وفشل فيه أحيانًا أخرى عندما تعلقت الأمة بالمظاهر الخارجية والطقوس دون القلب (عا5: 21-24).

        في اللاهوت الأرثوذكسي من الصعب الفصل بين مفهوم الطقس والسر, وإن كانوا بالطبع متمايزين. وفي الحقيقة مفهوم الطقس في الكنائس التقليدية ظُلم كثيرًا على مر العصور من كنائسنا البروتستانتية, بالرغم أننا يمكننا أن ننقد الكثير من الطقوس الأرثوذكسية كتابيًا, إلا أن نفس المفهوم السابق – الذي نادي به المصلحون – يتجلى عند الكثير من الكنائس التقليدية.

        يقول الأنبا غريغوريوس أسقف التعليم في شرحه للطقس أن الديانة المسيحية ليست مجموعة حقائق باطنية وداخلية نشعر بها في داخلنا فقط, وإلا بقيت أمورًا خفية لا يستطاع العلم بها ولا نقلها للأخرين, بل هي أيضًا ممارسات خارجية مبعثها الدوافع الباطنية والحقائق الداخلية. فبموجب الرابطة الطبيعية بين الروح والجسد, فالطقوس هي تعبيرات ظاهرية عن الميول العقلانية ووالانفعالات النفسية. (للمزيد حول علاقة المسيحية بالتعبيرات العاطفية برجاء مراجعة كتاب “اعتمالات القوى” لجوناثان إدواردز سلسلة الكلاسيكيات)

        الفريضة أو السر: هي علامة خارجية على نعمة داخلية روحية, وهي وسائط يعمل الله من خلالها, والتركيز الأساسي في الفريضة ليس على الخصائص المادية بل على الأهداف من ورائها. وبحسب كالفن فبما أن لنا طبيعة روحية ومادية, فالله ارتضى أن يقودنا إليه بعناصر أرضية في الجسد, ليعكس لنا كالمرآة البركات الروحية. للفريضة ثلاث وظائف أساسية مكونة لها: علامة, وسيلة, ختم (ضمان).

        يشرح عماد عزمي مفهوم العلامة: من خلال لاهوت العهد   نعرف أعطى علامات على عهوده فكان الختان علامة عهده مع إبراهيم حتى وقت المخلص ة؟  هي تجسيم للعهد والتعبير عنه أي الأمر الذي يؤكده ويذكر به (قارن القوس في العهد النوحي).  وكانت علامات العهد ضرورية ونافعة وملزمة (تك 17: 14، رو 2: 25-29) طالما لم تنفصل عن جوهر العهد. “

        في المعمودية العلامة الخارجية هي الاغتسال بالماء الذي يمثل عمل الله الداخلي في تطهيرنا من الخطية, وهي تتحدث عن ولادة جديدة وتطعيمنا في جسد المسيح (سواء كنت تؤمن بمعمودية أطفال أو كبار). وفي مائدة الرب أكل الخبز وشرب الدم هما العلامة الخارجية التي تمثل التغذي الداخلي على فوائد المسيح.

        وسيلة: فهي بشكل ما وسيلة لاستقبال فوائد روحية (تلك الفوائد التي تشير إليها). والإيمان هو الوسيلة التي بها يحصل المرء على فوائد تلك الفرائض. فالإيمان هو الوسيلة التي من خلالها يقبل جسد المسيح ويؤكل في العشاء. والإيمان هو الوسيلة التي من خلالها نأخذ فوائد المعمودية.

        ختم- بحسب عماد عزمي – : يستخدم للتوثيق والبرهان وللتعبير عن الملكية ويشمل فكرة الحفظ والحماية (رؤ 7: 2-3، 9: 4).  من خلال أف 1: 13، 2 كو 1: 21-22 نرى أن الختم مرتبط بالروح القدس.  فهو ضمان أي طريقة تؤكد امتلاكنا الفوائد التي تشير إليها.

        في المعمودية نحن نحصل على التأكيد بأننا أموات عن الخطية, وأحياء في المسيح. وفي المائدة نحصل على تأكيد بأن خطايانا غُفرت, وأن المسيح قد أسس العهد الجديد.

        هناك نقطة هامة في موضوع الختم, هل الفرائض ضامن على الله؟ يشرح جون كلفن تلك النقطة بأن الختم لا يعني اهتزاز الوعد من قبل الله فنأخذ عليه ضامن, بل وضع الضمان لأجل اهتزاز إيماننا. فالله وضع الفرائض إذ سبق ورأى ضرورة إعانة ضعفنا لكي نثق في وعده.

        يؤكد كالفن أن هناك مغالطتان هامتان دائمًا يحومان حول الفرائض, أولهما هي التقليل من أهمية الفريضة بفصلها عن معناها ومغزاها, والثانية هي المبالغة في هذه العلامة, وهو الأمر الذي يُضفي ظلامًا على الفريضة الحقيقية ويُعتمه.

بعض المراجع المستخدمة

  1. مقالة قصيرة في العشاء المقدس لجون كالفن, تقديم جورج صبرا
  2. نظرة جادة للمائدة المقدسة, بريت كين, تحرير جاي أي باكر
  3. بماذا يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي, واين جرودم
  4. محاضرات مادة الكنيسة, محاضرة الفرائض, كلية الإرسالية العظمى, عماد عزمي
  5. الأسرار, جون كالفن, ترجمة هاني يوسف جنا لجزء من كتاب Institutes of christian religion
  6. موسوعة اللاهوت الطقسي للأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمي
  7. R C Sproul, Foundations- an review of systematic Theology, The Sacraments of the Church
  8. R C Sproul, Dust To Glory, Old Testament Sacrificial System

download

أضف تعليق