أستخدام الصور والتماثيل في العبادة… جوزيف أنطون

on

أولا ًلمحة تاريخية عن حرب الصور والتماثيل :

          إذا أمعنا النظر فى التاريخ سنجد أن أول الخلافات حول الصور والأيقونات والتماثيل قد بدئت فى القرن الثامن تقريبا ًوقبل ذلك لم تكن هناك نزاعات حقيقية ظاهرة فى الموضوع, ويعتقد المؤرخ أندرو مولر أن التاريخ لم يذكر فى الثلاثة قرون الأولي أى ظهور للأيقونات ولا التماثيل قبل ظهور الأمبراطورة هيلانة والدة قسطنطين وهى أول من أغري المسيحيين بهذا [1], وقد قامت الحركة اللا أيقونية سنة 716 م على يد الملك لاون عندما شرع فى محاولة لنزع الصور والتماثيل من الكنائس [2]أعتبر الملك لاون أن أى تكريم للأيقونات – حتى أيقونات المسيح نفسها – فيها أساءة لله وتعتبر عبادة أوثان وأمر الملك بتحطيم كافة الصور والأيقونات والصلبان وأن يتم دهن الحوائط المرسوم عليها صور للمسيح أو القديسة العذراء حتى يتم محو تلك الصور, وفى يادئ الأمر أصدر الملك مرسوم أول بمنع أى عبادة للتماثيل وبأن ترفع لمستوى لا تصل إليه أيدى الناس حتى لايستطيعون أن يلمسوها لعبادتها [3] ولكن لم يعتد كثيرا ًبهذا المرسوم مما جعل الملك يصدر مرسومه الثانى بأبادة كافة التماثيل والصور .

          وظهر كرد فعل لما تبناه الملك لاون أشخاص فى الكنيسة يرفضون تلك الفكره ومنهم يوحنا الدمشقي الذي أخذ على عاتقه أن يرد على الملك لاون لاهوتيا ًفشرع بكتابة ثلاثة خطابات فيهما رد على ما تبناه لاون ودفاع عن عقيدته وايمانه بوجوب وجود الأيقونات والتماثيل فى الكنائس, وأيضا ًالبابا غريغورى المعاصر للملك لاون وقد رفض أن تنصاع الكنيسة لقرارات الملك وقد وجه للملك أكثر من خطاب شخصي لرده عن طريقه وتتميز هذه الخطابات بالحدة فى الاسلوب واللغة وصرامة البابا على موقفه ومن الواضح أن الملك ليون لم يكن يمتلك حجة على ما يتبناه ولم تكسبه الحياة ولا المكانة فصاحة اللسان ولا القدرة على الرد بموضوعية على الأخرين فقد وجه له البابا غريغورى فى أول خطاب كلمات تنم عن عدم فهم الملك لما يتبناه من عقيدة فقال ” لو إنك دخلت إلى مدرسة لصغارنا وأظهرت عداءك لعبادتنا لكان الصبيان الأتقياء يقذفون مكاتبهم فى وجهك “[4] وأستمر الحال كما هو عليه حتى وفاة الملك لاون وتولي أبنه قسطنطين الحكم بعده وقد كان أشد صرامة من أبيه فى ما يتعلق بالأيقونات وشن الحرب الضارية ضدها وأمر بحرق ماتبقى منها ولكنه تميز عن أبيه بأطلاقه للكثير من الجدالات ضدها وقد أنشأ مقالات فيها عقيدته وأيمانه ضد الأيقونات والتماثيل, وفى سنة 754 م دعا الملك إلى مجمع هيرييا حيث تمت أدانة الصور من قبل أعضاء المجمع وحرم جميع مؤيدوها ومن ضمنهم يوحنا الدمشقي وقيل عنه أنه يجاهر بأراء محمدية وهو معلم للكفر وموقر للأيقونات [5] وبعد وفاة قسطنطين ووفاة أبنه ملكت زوجة أبنه عوضا ًعنه وأقامت مجمع أخر في نيقيه بهدف مناقشة ماجاء فى مجمع هييريا حول التماثيل والصور, وأصدر المجمع مرسومه بأن يتم معاملة مضطهدي الصور والتماثيل على كونهم من أشد الهراطقة ويجب أن يتم العبادة والسجود أمام التماثيل من جديد وأن تكرم وتحفظ وأى أهمال لها يعتبر أهانة فى حق المسيح نفسه . [6]

          ونجد فى الربع الأول من القرن السادس عشر تبدأ مرة أخري مع عصر الأصلاح تكرار الكلام عن وثنية العبادة إذا تمت من خلال تكريم أى تجسيم أو تصوير لشخص الله أو لأحد من القديسيين ومن أهم من صرح بهذا المصلح زوينجلي ( 1484 – 1531 ) فبالتحديد فى 29 يناير 1523 تم أقامة مجمع زيورخ الذي أفحم فيه زوينجلي مناظريه حول أيمانه بالكتاب المقدس وتم صدور مرسوم لصالح زونجلي وأن يعتبر أيمانه هو الإيمان القويم لزيروخ, وبعد هذا قام جماعة من المتطرفين بدخول الكنائس وإزالة التماثيل منها [7] ومن الواضح أن زوينجلي لم يكن أن تتم الأمور بهذا الشكل وعندما تم القبض على من قاموا بهذا العمل صرح زوينجلي بأن شريعة موسي تحرم عبادة الصور والتماثيل وبعدها تم أقامة مجادلة أخري فى 26 أكتوبر 1523 حول الصور والتماثيل وشاركه فيها القس ليوجودا الذى قال أن الصور والتماثيل ممنوعة فى كلمة الله وينبغي على المسيحيين عدم صنعها أو أقامتها أو تقديم أى عبادة لها أو حتى أحترمها [8] وتم حسم الجدال لصالح زوينجلى مرة أخري وصدور مرسوم بإزالة الصور والتماثيل ولكن زوينجلي بسبب حكمته لم يتعجل فى تنفيذ الحكم لئلا يسبب ذلك هياج أو ثورة فى الشعب, وبعد فترة طالب زوينجلي مجلس المدينة بتنفيذ الحكم وتمت إزالة التماثيل والصور فى كل الكنائس على أن يتم إزالتها بمعرفة الكنيسة نفسها وأن لا يتدخل أى شخص فى ذلك العمل ويتم وأبواب الكنيسة مغلقة بكل أحترام لمعتقدات الناس ومن له صورة أو تمثال فى الكنيسة متبرع به يأخذه هو ليدمره بمعرفته الشخصيه ويتم بيع حليٍ الصور وتباع وتعطي أثمانها للفقراء [9] وبحلول عام 1525 تم أكتمال الأصلاح فى زيورخ بألغاء القداس وتحريم أستخدام الصور والتماثيل وأثار القديسيين تماما ً[10] الا أننا لا يمكننا القول أن ذلك الفكر الأصلاحي تجاه الأيقونات والصور قد عم كل بقاع المسيحية فقد أتخذ هذا الموقف ضد أستخدام الصور والتماثيل كافة كنائس الأصلاح ( البروتستانت ) ولكن حتى الأن تكرم الكنائس التقليدية الصور والتماثيل وتستخدمها فى العبادة .

أعتقد المصلح زوينجلي وجون كلفن أن أقامة الصور والتماثيل هو مخالف كل المخالفة للوصية الثانية من شريعة موسي وفى الأتى سنقوم بمحاولة تفسير وسرد الأراء حول تلك الوصية .

ثانيا ً الوصية الثانية من الوصايا العشر :

          ” لا تصنع لك تمثال منحوتا ًولا صورة ما مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهن لانى أنا الرب إلهك إله غيور … ” ( خر 20 : 4 – 5 ) .

          جائت الوصية الثانية من العشرة وصايا بالنهي عن صنع أى تماثيل منحوتة أو صورة للسجود أو العبادة ولكننا نري أن المسيحيين منقسمون حول هذا الموضوع منهم من يؤيد أستخدام الصور والأيقونات والتماثيل فى العبادة ومنهم من يرفض أستخدامها وسنقوم بعرض الرأيين فى هذا الجزء :

أ ) مؤيدي أستخدام الأيقونات والتماثيل :

          يؤكد المؤمنين بضرورة أستخدام الأيقونات والتماثيل فى العبادة أن الوصية الثانية لا تمنع من أستخدام الصور والتماثيل للعبادة منعا ًتاما ً, فيري القمص أنطونيوس فكري أن المهم فى الوصية هنا هو روح الوصية وليس حرفها.. ولكنه يؤكد أن الله لايسمح هنا أن نقيم له صورة ونعبدها [11] فروح الوصية تريد أن تعلمنا أن الله لا يمكننا تصويره بصورة ما مهما كانت وذلك ليعلمنا الله أنه متفرد وليس له مثل ولكن الظاهر من الوصية أن الهدف الأساسي هو أن لا نصنع أية تماثيل أو صور, وقد ظهرت الوصية بهذه اللهجة أو اللغة بسبب حالة الشعب الخارج من أرض مصر, فإن منع الصور فى العهد القديم قام جوهريا ًعلى عجز الشعب اليهودي من التمييز بين العبادة الخاصة بالله وحده وبين التكريم الذي يمكن أن يقدم لغير الله [12] فمؤيدي أستخدام الصور يرون أن الكنيسة تلتزم بتنفيذ روح الوصية وأن حرف الوصية الثانية مرتبطة أرتباط كامل بشكل العبادة الوثنية التى من الواضح أن الشعب قد تأثر بها لدي خروجهم من مصر. ويري الأرشيدياكون نجيب جرجس أن أستعمال الصور التى تمثل كلمة الله فى ظهوره فى الجسد هو أمر مقدس فى كنيستى العهد الجديد والقديم ففى كنيسة العهد القديم أمر الله موسي بعمل كروبين من ذهب فوق تابوت العهد وصورة لكروبيم على شقق المسكن ( خر 25 : 8 – 26 : 1 ) وفى العهد الجديد يستدل بأن الصور كانت موجودة فى الكنيسة من ( غل 3 : 1 ) ” رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا ” [13] فمن وجهة نظر مؤيدي الصور والتماثيل كيف ينهى الله عن صنع صور له وأستخدامها فى العبادة ومن ناحية أخري يأمر موسي بصنع تماثيل لتوضع فى أقدس أماكن العبادة ( خيمة الأجتماع ) !! . ويعود فيؤكد العلامة الأرثوذكسي القمص ميخائيل مينا قائلا ً” أن هذه الوصية نهت عن أستخدام الصور والتماثيل ردعا ًلبنى إسرائيل من الأنصباب على العبادة الوثنية أقتداء بالأمم ولكنها لم تمنعنا من صنع صورة للمخلص ربنا يسوع المسيح ” [14] فلا توجد ولا وصية فى العهد الجديد بعد تجسد الأبن المخلص تنهينا عن أقامة تصوير له , ويري الأب متى المسكين أن الله قد فرق فى وصاياه بين أستخدام الأيقونات فى العبادة الرسمية التى تتبع تدبيره ويحددها هو بوصاياه وبين صنع أيقونات لعيادة أمور معينة يراها الأنسان ويرهبها من وجهة نظره سواء كانت هذه الأمور أرضية أم سمائية [15] وأيضا ًمن أشد المدافعين عن الأيقونات وأستخدامها فى الكنيسة القديس يوحنا الدمشقي – القرن الثامن – ومن أحدى خطاباته الذي ذكرناها سابقا ًنقتبس قوله ” لو كنا صنعنا صورة للإله غير المنظور لكنا أرتكبنا خطأ إذ من المحال أن يصور من لا جسم له ولا يرى ولا يحد, وأيضا ًلو كنا صنعنا صورة أناس ظانيين أنهم ألهة وعبدناهم لكنا كفارا ًفالله الذي تجسد وتراءي على الأرض فى جسده وعاش بيننا بصلاحه غير الموصوف وأتخذ طبيعة الجسد وكثافته وشكله ولونه هو الذي نصنع له صورة ” [16] ويقول أيضا ً العلامة ترتليان ” لماذا بعد تحريم أى صورة لأى شيئ صنع موسي نفسه الحية النحاسية وعلقها ؟؟ أليس لأنه فى هذه الحالة كان يشير إلى الصليب “ [17] فيري هنا العلامة ترتليان أن الله نفسه أمر موسي بأن يصنع حية وذلك لأن فيها نموذج لشخص يسوع الذى هو صورة الله .

          وتلخيصا ًلفكر مؤيدى الصور فهم يرون أن الوصية الثانية التى تمنع من صنع أى تمثال أو صورة للعبادة هى وصية لها قصد من خلفية اليهود الصاعدين من مصر بلد الأوثان والتماثيل والصور فالله يريد أن يميز بينه وبين أى إله أخر قد رأه الشعب فى أرض مصر ويرون أيضا ًأن المهم فى تلك الوصية – وغيرها من الوصايا – هو روح الوصية وما تقصده وليس لفظها أو حرفها لأن الحرف يقتل أما الروح فيحيي ( 2 كو 3 : 6 ) فروح الوصية هى أن الله ليس له مثيل ولا يمكن أن نشبهه بأى شخص أو كائن أو جماد ما, اما عن صورة الله المرئية ( شخص الأبن المتجسد ) فقد سمح لنا الله بأن نراه بأم عيننا ولذلك فمن غير الطبيعي أن نحرم نحن ما لم يقل الله عنه أنه خطأ .

ب ) رافضي أستخدام الأيقونات والتماثيل :

          أما عن الجانب الأخر فقد رفض مجموعة من المؤمنين أستخدام أية صورة أو تمثال لله نفسه أو لغيره فى العباده وأستنادهم فى ذلك على الوصية الثانية التى تنهي كل النهى عن أستخدام أية صورة لله, فيقول القس دك وودورد ” أن الوصية الثانية تمنعنا من صنع أى صورة أو تمثال لله, فالله روح وينبغى أن نعبده بالإيمان وأي محاولة لصنع شيئ مادي أو ملموس نطيح بذلك الحاجة إلى الإيمان ” [18] وبذلك يؤكد القس دك أن الله الروح أراد أن يكون كذلك ووصيته يتعلمنا أن لا نصوره لأن أى صورة له تجعلنا ندخل إليه فى عالم العيان الذى هو عكس التقدم إليه بالأيمان بوجوده موضوع ايماننا, وكما رأينا أن زوينجلي رفض أستخدام الصور والتماثيل فى العبادة ونادى جهارا ًبأن شريعة موسي تحرم ذلك [19] ولم يكن زوينجلي وحده من المصلحيين هو من رفض ذلك بل نرى المصلح واللاهوتى الشهير جون كلفن يؤكد على ضرورة عدم أستخدام الصور والتماثيل وأنه عندما يقوم أى إنسان بصنع أى شكل فإنه يفسد مجد الله بالباطل وذلك لأن الله لم تكن له صورة مرئية للشعب تماما ًبل صوته فقط هو الذي سمع ( تث 4 : 15 – 16 ) [20] وبذلك يتحد كلفن مع الأخرين فى رفضه التام لأى صورة أو تمثال تستخدم فى العبادة حتى وإن كانت تصور الله ويستدل بذلك بالشاهد السابق ” فأحتفظوا جدا لأنفسكم لأنكم لم تروا صورة ما يوم كلمكم الرب فى حوريب من وسط النار لئلا تفسدوا وتعملوا لأنفسكم تمثال منحوتا صورة مثال ما .. ” وبذلك ينبه موسي الشعب أن الله لم يظهر لهم بصورة ما يوم كلمهم فى أعطاء الوصايا ولذلك لا يجب عليهم أن يقوموا بتصوير ما له لأنه هو نفسه رفض ذلك, وفي شرحه للوصية الثانية يقول القس جيمس أنس ” لما كان الله روح مجرد لا يجوز أن يمثل بشي تصنعه أيدينا وأن نكرمه بعيادة روحية وأن نعبده بالطريقة التى عينها هو فهذه الوصية تنهى عن العبادة الصنمية والعبادة الصنمية لا تقوم بعيادة الألهة الكاذبة فقط بل أيضا ًبعبادة الإله الحقيقي بواسطة تمثال أو صورة و لا يصح أن نجعل من ذواتنا أحكم من الله الذي شاء أن نتعلم عنه بواسطة أعلان كلمته ” [21] فأصحاب وجهة النظر تلك يؤكدون أن الله نهى نهي تام عن أستخدام مثل تلك الصر والتماثيل فى العبادة مبينين أن طبيعة الله روح ولا يمكن أن تحد أو أن تصور بشيئ مادى لأن مهما كان الشيئ كامل فلن يصل إلى كمال شخص الله ولا يمكنه أن يعلمنا أو أن يخبرنا عن شخص المخلص, وعن نقطة أن الصور والتماثيل من شأنها أن تعلمنا عن الله يرفض ذلك تماما ًجون كلفن ويري أن الله لم يحرم فقط أن نعبد من خلال الصور والتماثيل بل أيضا ًمن أن نتعلم منها ويستدل بالشاهد فى ( حبقوق 2 : 18 ) ” ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه أو المسبوك ومعلم الكذب ” [22] إذا فلم يمنع الله من عبادته عن طريق الصور والتماثيل فقط بل أيضا ًمن أن نعلم شخص ما عن الله من خلال أستخدام تلك الصور والتماثيل لأنها معلمة كاذبة .

          وتلخيصاً ًلرأي رافضي الصور فهم يرون أن أى أستخدام للصور أو التماثيل فى العبادة هو أهانة لشخص الله ومحدودية لكماله وأن الشريعة تلغي وترفض أستخدامها بأى صورة فى العبادة وأن أى تمثيل لله أو تصوير له هو مخالفة لأقواله ولشريعته وأن قلنا أن هذه الصور والتماثيل من الممكن أن تفيدنا فى تعليم الأخرين عن الله فنحن بذلك نخالف مبادئه أن أى تعليم من الأصنام والصور هو تعليم كاذب مضل

ثالثا ُرأي الباحث الخاص :

          من الواضح أن موضوع الخلاف على أستخدام الصور والأيقونات هو جدال كما رأينا زمنه بعيد ومؤيديه ومعارضيه يمتلكون نقاط قوة وضعف في رأي الباحث متساويه أو قريبة التساوى وسيقوم الباحث بسرد رأيه بناء على كلمة الله المكتوبة قبل وبعد تأنس الأبن .

          يري الباحث أن الوصية الثانية المشار إليها قبلا ًواضحة وضوح تام وأى جدال من الممكن أن يثار حولها ينم على عدم الفهم السليم لكلمة الله فالوصية تنهى نهي تام عن أستعمال أى صورة أو تمثال فى العبادة ولا يمكننا أن نقول أن الكلام هنا – فى الوصية الثانية – يشير إلى صورة لإله أخر لأنه بذلك فإن الله يعيد ما وصي به شعبه فى الوصية الأولى التى هى ” لا يكن لك ألهة أخري أمامى ” إذا إن كان الكلام هنا عن إله أخر غير يهوه فهو تكرار غريب لا يضيف شيئ إلى فحوى الوصية الأولي, وذلك ما يؤكده موسي فى ( تث 4 : 15 – 16 ) أن الله لا يمكن أن نمثله أو أن نصنع له صورة ففى نظر الباحث أن أية صورة سوف تصف الله من ناحية واحدة ولا يمكن أن تصفه وصف كامل إذا فهى تصوير يحد الله وينقصه من صفاته وبذلك فهو شيئ غير محبب أو غير شرعي ( أن صح التعبير ) .

          أما عن فكرة مؤيدي الصور أننا يجب أن ننظر إلى روح الوصية فهل يمكننا أن نطبق هذا على بقية الوصايا العشر ؟؟ فهل مثلا ًيمكننا تطبيق روح الوصية وليس حرفها على الوصية السادسة ” لا تقتل “ أو السابعة ” لا تزن “ ؟؟ بالطبع لا فقد الله فى هذه الوصايا إن كان هو أبعد بالطبع من مجرد المعنى الحرفي ولكنه نهي بكل تأكيد عن ذلك المعنى فإن رأينا فى الوصية السادسة بعد أعمق الا وهو المحبة ولكن هذا ليس معناه أن نقتل ونقول أن تلك هى حرفية الوصية, وأن طبقنا المعنى الحرفي على الوصية السادسة أو السابعة – على سبيل المثال – فأى قاعدة تفسير تجعلنا نلغي حرفية هذه الوصية عن الوصية الثانية ؟؟

          أما عن الكروبين فوق تابوت عهد الرب والحية النحاسية فالباحث يري أن اى منهم لم تكن تستخدم للعبادة ولم تكن الهدف منها ان تتم العباده من خلالهم, فالحية النحاسية لا تعبر عن مشهد له أى علاقة بعبادة الله ولم تطبق وقتئذ على أن الحية هى تمثيل أو تصوير لله بالطبع, وعن الكروبين فى ( خرو 25 : 18 ) فنجد أنهما كانا يوضعان على تابوت العهد فى قدس الأقداس وأثناء العبادة لم يكن الشعب ينظر التابوت الذي بقدس الأقداس وبالتالى فالشعب فى مواقف العبادة لم يكونوا يروا الكروبين وأيضا ًبكل تأكيد أن الله لم يصور نفسه بالكروبين ولم تكن صورة لتصفه .

          أما عن العهد الجديد فيري الباحث أن الرسول بولس يقول بكل وضوح فى ( أع 17 : 29 ) ” فإذا نحن ذرية الله لا ينبغي أن نظن اللاهوت شبيه بذهب أو بفضة أو حجر نقش صناعة أو أختراع إنسان “ ولو قال قائل أننا نصور شخص الإبن المتجسد فى العهد الجديد فهل ننزع عنه لاهوته بتلك الصورة أو التمثال وإن كنا نصور الناسوت فقط فهل يبقى الله الذي نعبده ؟ وهل يجوز لنا أن نقدم ذلك الفصل بين اللاهوت والناسوت ؟؟ إذا ماذا عن يسوع الذي هو صورة الله غير المنظور ألم يكن بالفعل له هيئة وصورة ؟؟ يعتقد الباحث أن لب الموضوع هنا هو أن تلك الصورة لم تكن من صناعة أو أختراع الإنسان وأن أى صورة نصنعها الأن هى أختراع البشر الذي نهى عنه الله ان نصنعه, وللرد على من يقولون أن تجسد الإبن فتح لنا باب أن نرسمه ونصوره أعتقد أن هذا الشاهد من الممكن أن يكون خير رد على ذلك وحيث أن أغلب الموافقين على أستعمال الصور والتماثيل المذكورين سابقا ًلم يذكروا الشاهد أعلاه ( أع 17 : 29 ) .

أما عن الشاهد فى ( غل 2 : 1 ) فهو لا يدل على أن الكنيسة فى غلاطية كانت عندها صور مرسومة لشخص المخلص ولكن حسبما يري القديس أغسطينوس أن الغلاطينيون يرون بعين الإيمان يسوع الذي صلب فى الجلجثه مرسوما ًأمامهم وهو ليس بالعيان بل بعين الإيمان [23]

          وخلاصة لرأى الباحث فالباحث يري أن الكتاب صريح فى نهيه عن أستعمال أى صورة أو تمثال لتصوير الذات الألهيه وأن العهد القديم يحرم مثل هذا العمل وينهي عنه والعهد الجديد بتجسد الإبن لم يقدم أى أشارة عن فتح الباب لرسم أو تصوير المسيح لأستخدام مثل تلك الصور فى العبادة وأنه بحسب ( حبقوق 2 : 18 ) لا يجوز لنا أستعمال أى صورة لتعليم أولادنا الصغار أو الأميين أى شيئ عن الذات الألهية لأنه مهما أبدع الفنان وأجاد الشخص الذى ينحت التمثال فمازالت تحفته ناقصة لا تدل ولا تصف كمال الله غير المحدود .

الخاتمة :

          بعدما بحثنا فى المكتوب عن أستخدام الصور والتماثيل فى العبادة وتطرقنا أيضا ًإلى الجدالات التى حدثت فى التاريخ حول ذلك .. قد أستخلصنا أن الله نهى عن أستخدام الصور والتماثيل فى عيادته أو أن يتم تمثيله بها لما فيها من نقص ولما فيه هو من كمال ولما فيها من محودية ولما فيه هو ( الثالوث ) من اللامحدودية .

          فلا العهد القديم أو الجديد يعطينا أى تصريح أن نقوم بمثل هذا العمل بل بالعكس فالكتاب بعهديه ينهينا أن نقوم بهذا, ويجب علينا أن نطيع الله وكلمته وأن نعبده عبادة بالروح مبنية على الإيمان بكمال صلاحه وقداسته وليست مبنية على العيان البشري الناقص .

المراجع

المسكين, متى, حياة الصلاة الأرثوذكسية, دير القديس الأنبا مقار, الطبعة العاشرة, القاهرة, 2009 .

أنس, جيمس, علم اللاهوت النظامى, الكنيسة الأنجيلية بقصر الدوبارة, القاهرة, 2005 .

إيسوذورس, الأنبا, الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة, مكتبة المحبة, القاهرة, 2002 .

جرجس, نجيب, سفر الخروج, بيت مدارس الأحد, القاهرة, 2002 .

دير سيدة حماطورة, القديس يوحنا الدمشقي والدفاع عن الأيقونات المقدسة, لبنان, 1997 .

رهبان دير أبو مقار, شرح سفر الخروج, مجلة مرقس , الطبعة الأولي, القاهرة, 2006 .

فكري, أنطونيوس, سفر الخروج, كنيسة العذراء الفجالة .

كلفن, جون, المسيحية الكتابية, الرابطة الأنجيلية فى الشرق الأوسط, القاهرة, 1994 .

كيرنز, ايرل, المسيحية عبر العصور,كوكب الصبح, قبرص, 1992 .

لوريمر, جون, تاريخ الكنيسة, الجزء الرابع, دار الثقافة, القاهرة 1999 .

ملر, أندرو, مختصر تاريخ الكنيسة, مكتبة الأخوة, الطبعة الخامسة, القاهرة 1995 .

مينا, ميخائيل, علم اللاهوت بحسب معتقدات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, الجزء الثالث, القاهرة, 1994 .

وودورد, دك, فى ظلال الكلمة التكوين والخروج, كتيب رقم 1 , الخدمة العربية للكرازة بالأنجيل, 2005 .

يعقوب, تادرس, سفر الخروج, كنيسة مارجرجس سبورتينج .

يعقوب, تادرس, تفسير رسالة بولس الرسول لأهل غلاطية, E- Sword  , 2009 .


[1]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مكتبة الأخوة, الطبعة الخامسة, ( القاهرة 2005 ) , 211 .

[2]  أيسوذورس, الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة, مكتبة المحبة, ( القاهرة 2002 ), 279 .

[3]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق, 212 .

[4]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق, 213 .

[5]  دير سيدة حماطورة, القديس يوحنا الدمسقي الدفاع عن الأيقونات المقدسة, ( لبنان 1997 ), 7 .

[6]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق, 216 ,

[7]  جون لوريمر, تاريخ الكنيسة, الجزء الرابع, دار الثقافة, ( القاهرة 1990 ), 167 .

[8]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق, 527 .

[9]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق, 531 .

[10]  ايرل كيرنز, المسيحية عبر العصور, كوكب الصبح, ( قبرص 1992 ), 349 .

[11]  أنطونيوس فكري, الخروج, كنيسة العذراء الفجالة, 109 .

[12]  تادرس يعقوب, الخروج, كنيسة مارجرجس سبورتنج, 38 .

[13]  نجيب جرجس, سفر الخروج, بيت مدارس الأحد, ( القاهرة 2002 ), 158 .

[14]  ميخائيل مينا, علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, الجزء الثالث, ( القاهرة 1994 ), 123 .

[15]  متى المسكين, حياة الصلاة الأرثوذكسية, دير القديس أنبا مقار, طبعة عاشرة, ( القاهرة 2009 ), 578 .

[16]  دير سيدة حماطورة, القديس يوحنا الدمسقي الدفاع عن الأيقونات المقدسة, مرجع سابق, 18 .

[17]   رهبان دير أنبا مقار, شرح سفر الخروج, مجلة مرقس, الطبعة الاولى, ( القاهرة 2006 ), 458 .

[18]  دك وودورد, فى ظلال الكلمة التكوين والخروج, كتيب رقم 1 , الخدمة العربية للكرازة بالأنجيل, ( 2005 ), 91 .

[19]  أندرو مولر, مختصر تاريخ الكنيسة, مرجع سابق,525 .

[20]  جون كلفن, المسيحية الكتابية, الرابطة الإنجيلية للشرق الأوسط, ( القاهرة 1994 ), 51 .

[21]  جيمس أنس, علم اللاهوت النظامى, الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة, ( القاهرة 2005 ), 582 .

[22]  جون كلفن, المسيحية الكتابية, مرجع سابق, 53 .

[23]  تادرس يعقوب, تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية, E – Sword  , 2009 .

أضف تعليق